لا يوجد كذب على وجه الأرض بلا حدود

الشخصية التي سنتناولها في هذا التحليل هي شخصية كابتن “ويب ويتيكر” من فيلم “Flight” والتي قام ببطولتها العظيم دينزيل واشنطن و رُشِح عنها لجائزة أوسكار أفضل ممثل قبل أن يخسرها لصالح دانيال داي ليويس في العام الماضي. الشخصية من نسج خيال مؤلف الفيلم جون جاتنيس و قدمها للشاشة المخرج روبرت زيميكيس. شخصية ويب ويتيكر شخصية فريدة من نوعها لأنها أول ما تظهر في سياق الأحداث تظهر في ثوب البطل الخارق و آخر ما تظهر في نهاية الأحداث تظهر أيضاً بثوب البطل المضحي و لكن مابين هذا و ذاك نرى شيطان يدمن الكحول ولا يتمكن أبداً من تركه مهما حاول. إدمانه يحوله لشخص كريه قادر على تدمير و إيذاء أقرب الناس إليه و لكنه قادر على الخروج من كل ورطة بفضل قدرته على الكذب حتى آخر نفس.

كابتن ويتيكر يعمل كطيار مدني و نتعرف عليه في بداية الأحداث وهو يتعرض لعطل قاتل في طائرته، يتسبب في فقدان الجميع لأعصابهم و سيطرة الهلع عليهم إلا كابتن ويتيكر الهادىء و المتمكن برغم، أو ربما بسبب، أننا رأيناه بالفعل وهو يشرب الخمر بلا أي مبالاه قبل الرحلة و في بداية الرحلة على الطائرة كذلك. ينجح ويب في إنقاذ الطائرة بشكل إعجازي لنتعرف من خلال الأحداث أنه مدمن على معاقرة الخمر و نشاهده وهو يحاول ترك هذا الإدمان و التخلص منه برغم الفشل في كل مرة و لكن ما فاجئني في الشخصية هو عدم وقوعه قط في دائرة الإحساس بالذنب أو إحتقار الذات و هو أمر غريب جداً ربما كان ليهدد منطقية الشخصية من الأساس و لكن وازن ذلك قدرته الفذة على الكذب و إحساسه المتعاظم بالفخر لكونه أنقذ ركاب طائرة بطريقة لم يكن بمقدور غيره أن ينفذها .. و هو ما كرره عدة مرات بالفعل في أحداث الفيلم.

قدرات كابتن ويب ويتيكر التدميرية و قدرته على الإيذاء تبدأ بشكل تدريجي في أحداث الفيلم من شكل بشع لشكل أبشع، فهو في بداية الفيلم يخاطر بحياة ركاب و طاقم طائرة بالكامل، لينطلق بعد ذلك مدمراً لعلاقة غرامية واعدة جمعته بفتاة قابلها و هو يتلقى علاجه ثم نبذه الوقح لمن يحاولون مساعدته من شركته أمام الإتهامات التي طالته بعد تحليل دمه عقب الحادث، و الذي كشف بالفعل عن تواجد مخيف للكحول، إنتهاءً بإيذاء زوجته السابقة و إبنه بينما هو غائب عن وعيه من فعل الخمر.

مع تصاعد قدرته التدميرية، تتصاعد أيضاً درجة هول كذبه، فبعد أن كذب على مدرائه و محققيه، يكذب على حبيبته ثم زملائه ثم من يعانون مثله في حلقة العلاج من الإدمان إلى أن يصل لأقصى درجات القبح في الكذب بأن يكذب على خالقه بأن يقبل الصلاة مع زميله مقابل أن يسانده في شهادته أمام المحكمة.

مع هذه الشيطنة المتصاعدة نبدأ في تخيل أنه لا يوجد حدود لكذب و تضليل هذا الرجل إلى أن تأتي لحظة الحقيقة التي تضعه أمام تحدي الكذبة الأخيرة، إما أن ينجح فيها فيلوث سمعة أحد أفراد أطقم الطائرة التي ماتت في الحادث بأن يلصق بها تهمة السكر، أو أن يرفض ذلك فتنهار سمعته هو شخصياً و يدخل السجن. هنا يستسلم أخيراً كابتن ويب ويتيكر، رافضاً أن يتحول الكذب لخيانة شخص ميت و مقراً بكل ذنوبه و أخطائه و متقبلاً لجزاءه أياً كان.

هنا يستعيد ويب ويتيكر إحترام الآخرين و على رأسهم إبنه الذي كان يحتقره و يزين زهوه المتزايد بنفسه بحالة الرضا التي كان يفتقدها فعلاً بدون أن يعلم ما هو الناقص في حياته.

شخصية مركبة و فريدة و عظيمة .. قد لا يكون الكاتب قد قصد تقديمها كما حللتها و لكن هذا هو جمال السينما. حيث يمكنك أن تستقبل ما تريد كما تريد و ليس كما يريد لك صاحب مصلحة. أن تفهم ما تحب و تشعر بما يرضيك عن الشخصيات و القصص و الحيوات المختلفة التي تعيش معها كلما أظلمت الصالة و ظهرت الأنوار الساحرة على الشاشة.

التعليقات و المناقشة

التعليق