العلاقة بين ستيف جوبز و دييجو مارادونا في فيلم jOBS

في يوم ٢٢ يونيو من عام ١٩٨٦، و في مباراة ربع نهائي كأس العالم بالمكسيك، جاءت الدقيقة ٥٤ لتجلب معها أعظم عزف منفرد عرفه تاريخ كرة القدم على قدم دييجو مارادونا حين مر من خمسة مدافعين إنجليز و حارس مرماهم بمهارة و رشاقة عالية ليسجل الهدف الثاني و ينهي مسألة تأهل الأرجنتين لنصف نهائي كأس العالم عملياً. في تحليل الكثيرين، تعود روعة الهدف للسرعة الفائقة التي كان ينتقل بها مارادونا من مدافع للتالي و لكن العبقرية الفريدة كانت في الإبطاء الشديد الذي كان يأتي مع مراوغة المرور ثم الإنطلاق بأقصى سرعة مرة أخرى و تكرار هذا الروتين عدة مرات قبل إسكان الكرة في الشباك.

ذكرى هذا الهدف تملكتني و أنا أشاهد فيلم jOBS، عن قصة رجل الأعمال الأمريكي الأشهر ستيف جوبز. أحداث الفيلم تتناول ٢٠ عام من حياة المبتكر الكبير، و أجد نفسي هنا مدين للفيلم بالإعتذار، حيث إني كنت قد تسرعت في تصنيفي للفيلم كأحد قصص الحياة التي تتناول الشخصية منذ الطفولة حتى الموت بناءً على إعلان الفيلم و لكني كنت مخطئاً. الفيلم يتناول قيام ستيف جوبز بإنشاء شركة أبل، ثم أفعاله المتهورة التي أدت لإبعاده عنها، ثم عودته إليها مرة أخرى منتصراً. بالرغم من ذلك فأن ٢٠ عاماً من قصة حياة حافلة لشخصية مثل ستيف جوبز تجبر من يتناولها على الإسراع الشديد، كما كان يفعل مارادونا، في عرض التفاصيل و الأحداث و هو الفخ الذي وقع فيه الفيلم مجبراً، و لكن عوضها بالإبطاء جداً في بعض اللحظات ليدمجنا في مشاهد رائعة، في روعة مراوغات الساحر الأرجنتيني، لوقائع غيرت تاريخ التكنولوجيا للأبد.

إقرأ أيضاً: بالفيديو | The Grudge Match و رحلات دي نيرو و ستالون إلى الماضي لاستعادة و إعتصار الأمجاد

الفيلم يبدأ باجتماع داخلي في مقر شركة أبل يقوده ستيف جوبز و يقوم فيه بتقديم الآي بود. المشهد هو الوحيد الذي يظهر فيه أشتون كوتشر بمكياج الرجل المسن. بعد ذلك يعود بنا الفيلم لعام ١٩٧٦ حيث نرى ستيف جوبز الشاب التائه، غريب الأطوار الذي ينطلق في رحلات إكتشاف النفس بعد أن تأكد من عدم جدوى الشهادة الجامعية له و من استحالة عمله تحت قيادة أحد. الفيلم يقدم لنا كيف أتت فكرة شركة أبل و كيف تم إنشاءها، ثم كيفية إزدهارها تحت لواء ستيف جوبز و فريق العمل الأساسي. ينتقل الفيلم بعد ذلك لهوائية ستيف جوبز و بحثه المستمر عن الكمال على حساب الإدارة المالية الرشيدة مما يدفع مجلس الإدارة لإبعاده عن دائرة اتخاذ القرار بالتدريج حتى صرفه تماماً من الشركة. و أخيراً تطير أحداث الفيلم لعام ١٩٩٦ حيث يعود ستيف جوبز لإنقاذ أطلال الشركة العملاقة و يبدأ في مهمة بعثها للمجد من جديد.

آسف لكل من وجد في الفقرة السابقة حرق لأحداث الفيلم، و لكن تلك الأحداث تماثل في شهرتها كيفية فرض مارك زاكربيرج سيطرته على “فيسبوك” عن طريق خيانة كل أصدقاءه … لو لم تكن تعرف تلك التفاصيل كذلك فأنا آسف للمرة الثانية و حقيقي أنا مش عارف إنت كنت مشغول في ايه الأربعين سنة اللي فاتت!

الفيلم أعجبني بمنتهى البساطة و لا أعرف سر هجوم النقاد عليه أو التقييمات المتحفظة التي نالها. كل ما قرأت حول الفيلم جعلني أترقب فيلم جيد من بطولة إختيار أحمق. بعد ربع ساعة من الأحداث اللاهثة في بداية الفيلم، تخللها أداء مقبول جداً من أشتون كوتشر، خشيت أن يكون العكس هو الصحيح و لكن مع مشهد الفريق الأول لأبل و هو يعمل في مرآب أسرة ستيف جوبز، و هو مشهد ساحر و عادل على جميع المستويات، بدأت أتقبل الفيلم و أنغمس في أحداثه و مع نهايته كنت قد قررت تقييمي بكل ثقة: “لم يكن بالإمكان أفضل مما كان”.

إقرأ أيضاً: ستة أسباب جعلت من Kick Ass 2 أسوأ فيلم في ٢٠١٣

سرعة الأحداث مبررة و منطقية للوصول لخط النهاية في ساعتين و سبع دقائق مع إعطاء شيء ما للمشاهد. يكفي أن نوضح أن أحداث هامة في حياته، مثل معضلة تبنيه و قصة شركة بيكسار، تم إغفالها تماماً في الفيلم و أن قصة عودته تشكل القسم الأخير القصير جداً و أن نجاحه في إعادة “أبل” للقمة تمت الإشارة له فقط برسالة في نهاية الفيلم. أما إبداعات المشاهد البطيئة فتجلت عدة مرات بجانب المشهد الذي أشرت إليه مثل مشهد صفقة الإستثمار مع مايك ماركولا و مشهد إستقالة شريكه ستيف ووزنياك و مشاهد تخلصه من صديق عمره دانييل كوتكة، و هو مشهد يثبت أن الفيلم له شخصية كذلك لأنه طرح سبب لهذه القسوة لم يتم طرحه في الكتاب الأشهر عن قصة حياة ستيف جوبز للكاتب والتر إيزاكسون، و الذي كان لي شرف قراءته رغم إني لم أستطع تقرير ما إذا كانت قراءة الكتاب قبل مشاهدة الفيلم شيء جيد أم سيء.

أشتون كوتشر كان مقبولاً جداً رغم أني كنت قد إستقبلت خبر إختياره للدور بنفس طريقة إستقبالي لخبر إختيار آمال ماهر ضمن قائمة أجمل إمرأة في العالم بالضبط … و بنفس الصوت. أسوأ مشاهده هي تلك التي تعكس الغضب العاصف الذي إشتهر به ستيف جوبز، رغم أن مشاهد إنتقاله من حالته الطبيعية لحالة الثورة الشديدة كانت جيدة نسبياً. ما أحاول أن أقوله هي أن أشتون كوتشر كان جيداً جداً … أرجوكم ماتضغطوش عليا أكتر من كدة.

بقية فريق العمل قاموا بعمل رائع و على رأسهم ديرموت ميلروني في دور مايك ماركولا و لوكاس هاس في دور دانييل كوتكة و الثنائي قدما أداء من أفضل ما شاهدت هذا العام. كذلك كان جوش جاد في دور ستيف ووزنياك، بطلي الشخصي في شركة أبل، رغم إني أيضاً كنت قد إستقبلت خبر إختياره للدور بنفس طريقة إستقبالي لتأكيد أن خبر آمال ماهر ماكنش هزار …. و بنفس الحركة.

إقرأ أيضاً: جوني ديب يستحضر روح جاك سبارو في The Lone Ranger

ثناء واجب على جون ديبني العظيم، مؤلف موسيقى الفيلم، و صاحب السجل الرائع الذي يتضمن ببساطة Dragonfly و The Passion of The Christ. موسيقى ديبني عوضت كثيراً سرعة الأحداث و هي وحدها صاحبة الفضل في إرتقاء مشهد النهاية للمكانة المطلوبة. كما يجدر الثناء على عمل مات وايتلي في أول عمل له ككاتب .. مرة أخرى، لم يكن بالإمكان أفضل مما كان. و رغم تقبلي لجوشوا مايكل ستيرن كمخرج للعمل و لكني أحمله مسؤولية تعامل الجميع مع الفيلم كحدث عادي و ذلك بسبب إختياراته لفريق تمثيل من التصنيف الثاني بلا إستثناء متناسياً أنه نفسه مخرج من التصنيف الثاني و لا يمكن لاسمه، حتى و إن إقترن بإسم ستيف جوبز، أن يحمل الفيلم بمفرده كما حدث مع ديفيد فينشر حينما حمل The Social Network بمفرده و أطلق جيسي آيزينبرج و روني مارا و أندرو جارفيلد و جاستين تامبرليك للتصنيف الأول ضمن نجوم هوليوود.

بكرة السبت .. ضروري تروحوا تشوفوا jOBS بكرة .. قد يكون أفضل فيلم تم عرضه في مصر منذ شهور.

التعليقات و المناقشة

التعليق