أن ترتكب جريمة أثناء محاربتها

من خلال رصدي لطابور تذاكر سينما رينيسانس نايل سيتي، أؤكد أن السبب الأوحد لدخول الجماهير فيلم أحمد مكي “سمير أبو النيل” هو الضحك و الضحك فقط. و لكن بين الحبكة الغائبة و الأحداث المعتادة و الإعلانات الفاجرة و ثقل دم حسين الإمام و الزعيق المستمر لم أجد سوى ثلاث ضحكات من القلب، إثنان منهم كانا في إعلان الفيلم أصلاً.

بدايةً أحب أن أبرئ محمد السبكي من مسؤولية خيبة الأمل التي إختبرتها بمشاهدة “سمير أبو النيل”. الرجل واضح و صريح و لم يدعي يوماً أنه صاحب رسالة فنية أو مهتم حتى بتقديم كوميديا راقية. و من يدخل الفيلم لا يتعشم في السبكي قدر من يأمل في أحمد مكي ممثلاً و عمرو عرفة مخرجاً و أيمن بهجت قمر مؤلفاً. لكن يبدو أن الثلاثي كان قد تصالح مع مبدأ سبككة هذا الفيلم مع حشر رسالة نبيلة لعلها تشفع عند محبيهم.

سمير أبو النيل

الرسالة هي رجاء للمواطنين البسطاء بعدم تصديق مختطفي الإعلام من الجهلاء و رجال الأعمال و أراجوزاتهم من المنتفعين سياسياً و إقتصادياً. أنا هنا لا أحلل و لا أستخدم مهارات نقدية فريدة بل ببساطة أسرد مشهد قرب نهاية الفيلم خرج فيه سمير أبو النيل ليقول هذه السطور بشكل مباشر متناهي التبسيط لدرجة السذاجة. لعل السبب هو أن القائمين على الفيلم قد خشوا من أن يختلط الأمر على المشاهدين و تلهيهم الحبكة المهترئة عن رؤية الحكمة المحترمة.

أحداث الفيلم تدور حول سمير أبو النيل، شاب بخيل لدرجة ينفر منها الجميع من عائلته و أصدقائه الذين يطاردهم لينتفع من وراءهم كي يوفر كل قرش يكسبه. يأتيه يوماً إبن عمه “حسين الإمام” ليطلب منه أن يحفظ أمانة قدرها ٥٥٠ مليون جنيه لأنه مريض و يخشى أن يموت فيطمع إخوته في إبنته القاصر و يسلبوها ثروتها. يقوم سمير بمحاولات لاستثمار الأموال حتى يصنع لنفسه ربحاً يغنيه حين يأتي موعد رد الأمانة، فيقرر إنشاء محطة فضائية يقوم هو فيها بجميع الأدوار ليقتصد في المصاريف و يزيد من الربح.

حبكة الملايين المفاجأة التي تسقط من السماء، و اللي أصبحت مفيش عند مؤلفينا غيرها، تستند على المواقف الكوميدية في الأساس و لكنه للأسف أساس في غاية الخيابة. يكفي أن أوضح أني ضحكت في إعلان فيلم محمد سعد الجديد “تتح” أكثر مما ضحكت في فيلم مكي بأكمله، و هذا ليس شكر في فيلم سعد قدر ماهو تهنئة على الصراحة و عدم خداع النفس.

المؤسف هو أن الفيلم في الواقع يرتكب الجريمة نفسها التي يحاربها. فهو في أحداثه يعطي النماذج و الأمثلة لكيفية إستغلال الإعلام لجهل و بساطة الجماهير بأن يعطيهم محتوى و سيناريوهات مغشوشة و كاذبة لجذب المشاهدة و الدعم و، بطبيعة الحال، الإعلانات. كل هذا في إطار سطحي و مزعج بصرياً (من خلال فريق تمثيل منتهي الصلاحية) و مزعج سمعياً (حقيقي ماحدش مرة فكر يسأل مكي هو عمال يزعق عمال على بطال ليه؟) و سخيف على مستوى الكوميديا من أجل التذاكر و … صدق أو لا تصدق، الإعلانات. فالفيلم يذخر بإعلانات المنتجات بشكل بجح و مستفذ لم يسبق لي أن رأيته من قبل. و هنا أجد نفسي مدين بالشكر لLion Extreme و جرين لاند و كوتونيل و ساديا و كيا و YouTube و Skype و Joly Optics … آه والله حشروا Joly Optics في أحداث الفيلم بدون أي مناسبة

بقى أن أوجه كلمة للثلاثي المتميز و أتمنى ألا يصدقوا أنهم قاموا بتقديم فيلم من خلال ما يسمى ب”سمير أبو النيل”. عرفة و قمر، أرجوكم عودوا للسينما التي أحببناكم من أجلها و لا تنجرفوا في القافلة السبكية. أما نصيحتي لمكي فهي أن ينظر للشباب … الشباب الذين كان منهم و الذي بُح صوت كل مصري من أجل إعطائهم فرصتهم في كل المجالات. إذا كان فنان متفتح و مستقر من حيث الشعبية و الجماهيرية مثل مكي غير قادر على المخاطرة بالتعامل معهم و يفضل التعاون مع عواجيز الفرح في فيلم فاشل، فمن أين يمكن أن تأتيهم الفرصة.

بعيداً عن سمير أبو النيل بقى، ايه أكتر فيلم بتحبوه من إخراج عمرو عرفة و أكتر فيلم بتحبوه من تأليف أيمن بهجت قمر؟

التعليقات و المناقشة

التعليق