ليت الأمور كانت تدار كذلك

شاهدت الليلة فيلم “ذا جراي”, حقيقي مش عارف إسمه بالعربي المفروض يكون ايه، بس خلونا نرجع للموضوع دة بعدين. الفيلم من بطولة “ليام نيسون” و “ديرموت ميلروني” و يحكي قصة تبدو قديمة و مكررة في ظاهرها، و هي حادثة الطائرة التي تترك مجموعة من الناجين المصابين في ظروف غير عادية و في صراع من أجل الحياة.و لكن في الواقع الفيلم مختلف، مختلف لدرجة إني، رغم يقيني بتكرار الفكرة و هرسها من قبل، لكني عاجز عن تذكر فيلم واحد تدور أحداثه في نفس السياق. مختلف لدرجة أن “روجر إيبرت” الناقد السينمائي الكبير الراحل كتب عن الفيلم عندما شاهده قائلاً: “كان عندي أفلام أخرى لأشاهدها و أكتب عنها، و لكني إنصرفت مباشرة بعد عرض “The Grey” فمن الظلم أن أشاهد أي فيلم آخر بعد هذا الفيلم”.

مكان الأحداث هذه المرة هي الجليد اللانهائي في غياهب آلاسكا. أبطال الأحداث هم سبعة من عمال البترول الرجال. أما الأخطار، فبالإضافة للبرد القارس مع التناقص المستمر لمخزون الطعام و الشراب، هناك الخطر الأكبر و هو الذئاب. ذئاب لا تخاف من الإنسان لأنها في هذه الحالة تراه معتدي غير مرغوب فيه.

بطل الأحداث الرئيسي هو “أوتواي”. و “أوتواي”، في معسكر الشركة يعمل كموظف أمن مسؤول أصلاً عن حماية المعسكر من هجمات الذئاب عن طريق إصطيادهم … يوم ليك و يوم عليك!! “أوتواي” يحاول في كل موقف أن يعتصر خبرته لكي يجد حل أو خطة لانقاذ البقية المتناقصة من صحبته على أمل أن يبقى من يمكن إنقاذه و أن يظهر سبيل للإنقاذ.

الفيلم مخيف جداً و المخرج صاحب خطة محكمة ترتكز على، ما أحب أن أسميه، اللمسة الأخيرة. فحينما أنجح في أن أتأكد من إدراكك لأبعاد المشهد بدون ترك أي قطعة تفاصيل، يكون صوت الذئاب أو أعينهم اللامعة لمسة أخيرة كافية لإثارة أقصى درجات الرعب في قلبك.

مخرج الفيلم هو الأمريكي صاحب السجل المتواضع من الأفلام مخرجاً و كاتباً “جو كارنيهان”. أشهر أفلام المخرج قبل “The Grey” هو “The A Team” و هو فيلم فاشل برغم النجوم التي قامت ببطولته و على رأسهم “ليام نيسون” نفسه. “جو كارنيهان” كتب سيناريو الفيلم و أخرجه بناءً على قصة قصيرة. الفيلم طفرة إخراجية بالتأكيد ولا أعلم إذا كان صدفة عابرة أو بالفعل هي بداية جديدة لمخرج جيد في الأساس.

تقنياً الفيلم يمكن إعتباره مرجع للإبهار في غياب البذخ الإنتاجي، فمشاهد الصخب المعتادة، مثل تحطم الطائرة و هجمات الذئاب، تم تنفيذها ببساطة شديدة، تصل في بعض الأحيان للتجاهل التام. و لكن يوازيها إمكانيات تمثيلية استثنائية ل”نيسون” و “ميلروني” و حتى في اللحظات القليلة التي ظهر فيها الإكتشاف الجديد “جيمس إيرل بادج” و هو يقوم بالتصالح مع خبر أنه الآن يختبر تجربة موته، مع زوايا تصوير مبتكرة تتجنب تحدي الخدع البصرية الباهظة، فتشعر كما لو كنت رأيت كل شيء رغم أنك لم ترى أي شيء، و أخيراً و ليس آخراً موسيقى “مارك ستيرتنفيلد” التي تصاحبك بين مشاعر اليأس و الخوف و التحدي و الإستسلام و الحزن الأليم خصوصاً في مشاهد تذكر “أوتواي” لزوجته.

The Grey

نيجي بقى لإسم الفيلم. “The Grey” في كثير من المواقف ينساق في إتجاه كارثي لأبطاله يبدون فيه في حاجة لمعجزة، معجزة معتادة في الطبيعة السينمائية و لكن ليس الأمور تدار بهذه الطريقة في الواقع … أو في هذا الفيلم. رؤية أبطال الفيلم لبعضهم البعض يتعرضون لهذه الأهوال يجعل الفكرة الرئيسية المسيطرة عليهم هي الموت. ماذا أستطيع أن أفعل للهروب منه، ماذا أحب أن أفعل لمرة أخيرة قبل أن أواجهه، ما هو مقدار الألم الذي سيمررني الموت من خلاله و السؤال الأصعب: ماذا سيحدث بعده؟! هل هناك شيء بعده أم هي نهاية كل شيء؟ و البعض يذهب لأبعد من ذلك و هو السؤال: كيف يكون شعور العدم؟! بين الذعر و الألم و الموت و العدم مساحة رمادية واسعة و مخيفة .. في إعتقادي الشخصي، هذه الرمادية هي السر وراء اسم الفيلم.

الفيلم ممتاز و أنصح كل محبي السينما الراقية أن يشاهدوه. الفيلم ليس جديد كلياً و بدأ بالفعل في الظهور على جداول بعض القنوات التليفزيونية. لمتابعة مواعيد عرض ذا جراي يمكنكم متابعة هذا الرابط.

التعليقات و المناقشة

التعليق