Captain Phillips معزوفة توم هانكس الفريدة

دخل موسم الجوائز و بدأت المنافسة الحقيقية بين الأفلام التي إدخرتها كل الستوديوهات الكبرى لنهاية العام حتى تحظى بالإهتمام الذي تستحقه من الجوائز و المهرجانات المختلفة. و لكي يكون الأمر أوضح، فهذا ليس وفاء كامل للسينما الراقية فقط و لكن أيضاً فكر إقتصادي صريح، لأن الأفلام التي تحظى بالنصيب الأكبر من الجوائز تكتسب دفعة جديدة من دور العرض و الرواد مما يزيد من ربحيتها … لو نفهم بس!

في أجندتي الشخصية سلسلة من الأفلام كنت أنتظرها بفارغ الصبر لكي تُعرض في مصر. أولها كان Gravity، و كنت قد كتبت نقدي له موضحاً كيف نجح في تسليمي كل ما تمنيته، و ثانيها هو Captain Phillips الذي كنت قد كتبت تقديم عنه. والآن وقد شاهدته، حان موعد نقده بدون التطرق لما سبق و أوضحته عن طبيعة الفيلم في التدوينة الأولى و التركيز أكثر على إنطباعاتي عن الفيلم نفسه. لذلك يُنصَح بقراءة تدوينة تقديم الفيلم قبل الإستمرار في قراءة هذه التدوينة.

إقرأ أيضاً: بالفيديو | توم هانكس يتحدى محمد هنيدي في فيلمه الجديد

Captain Phillips يحكي وقائع المعاناة التي خاضها كابتن ريتشارد فيليبس وطاقم السفينة ماريسك آلاباما في عام ٢٠٠٩ بعد أن وقعوا كغنيمة للقراصنة الصوماليين. محاولات كابتن فيليبس المستميتة لحماية طاقم سفينته قادته ليكون رهينة في يد القراصنة داخل قارب للإنقاذ يساومون به المسؤولين الأمريكيين ليحصلوا على الفدية المناسبة.

الفيلم جيد جداً على كل المستويات ورغم أن أحداثه معروفة قبلاً، بحكم أن القصة حدثت بالفعل ويمكن ببساطة معرفة كيف دارت وكيف إنتهت، ولكن هذا لا يأخد من إثارته أي شيء. وفي منتصف كل هذه الإثارة، لا يمكنك إغفال الرسالة الأهم للفيلم، كما رأيتها عن نفسي، وهي النظرة السريعة على شكل العالم من منظور رجلين يقومان بعملهما في الحياة التي تعيشها الآن. فالدقائق الأولى من الفيلم تتنقل بين الولايات المتحدة والصومال لنرى القبطان الأمريكي ريتشارد فيليبس يستعد ليسافر لعمان كي ينطلق في رحلة لسفينته من ميناء صلالة مروراً بالساحل الصومالي متجهاً لميناء مومباسا في كينيا و كذلك نرى ميوز، الرجل الصومالي الفقير الذي يختار فريق عمل لينضم لحملة بحرية تهدف لاصطياد أي سفينة لقرصنتها وطلب فدية من أجل إطلاق سراحها.

إسقاط الفيلم على واقع العولمة القاسي يتوغل بسهولة لإدراك المشاهد من خلال أحداث الفيلم ومن خلال الحوارات التي تدور بين ريتشارد فيليبس من جانب وميوز وزملائه من جانب آخر لتجد نفسك في موقف غير مريح على الإطلاق وهو كره أي خط من الممكن أن تأخذه الأحداث. فالإختيارات محدودة جداً، إما أن ينجح القراصنة في مسعاهم مما يعني إستمرار لمعاناة كابتن فيليبس وخطر فقدانه لحياته أو أن تنجح القوات الأمريكية في تحريره مما يعني تصفية الجانب الصومالي وهو أيضاً إختيار كريه للمشاهد لأنك تقتنع مع أحداث الفيلم أن القرصنة والإجرام لم يكن إختيار لهؤلاء الرجال، بل هو واقع لا مهرب منه.

إقرأ أيضاً: Elysium .. ملحمة تكوين البطل تبدأ من العشوائيات

وعلى الطريق الذي حتماً سيقود لأحد المصيرين المريرين يعيش المشاهد معاناه أخرى قلما نراها في أفلام الرهائن، وأعتبرها أهم إنجازات المخرج بول جرينجراس، وهي رعب وفزع الرهينة من إنعدام كفاءة خاطفيه. فعملية إقتحام السفينة والمقابلة الأولى بين القراصنة والطاقم تؤكد سريعاً جداً على صفتين أساسيتين للفريق الصومالي، أولهما الإصرار الشديد على إكمال المهمة مهما بلغت التضحيات والمخاطرات و ثانيهما هو الغباء وإنعدام الحرفية. توالي الأحداث بعد ذلك يضخم ويعظم من هاتين الصفتين فنرى إصرار على إقتياد الرهينة ونرى إصرار على مواجهة قوات البحرية الأمريكية وإصرار على إكمال الطريق بمفردهم وبدون مساعدة أسطولهم الإجرامي. يقابله سقوط ساذج في الفخوخ التي ينصبها الطاقم وبلاهة في إستخدام السلاح وتصديق أحمق لوعود قادتهم. تضارب تلك الصفات حول فيليبس تؤدي لحالة رعب وفزع شديد لإدراكه أنه في منتصف دائرة دموية مليئة بالدمار ويحيط بها من كل جانب غلاف سميك … من الغشم.

توم هانكس قدم معزوفة هادئة وواثقة من النمو المستمر لمشاعر الخوف المكبوت حتى قبل أن تبدأ مغامرة القراصنة. فهو في البداية خائف من إحتمالية القرصنة ولكنه يكبت هذا الخوف حتى يطمئن زوجته. ثم ينمو هذا الخوف مع المواجهة الأولى مع ميوز وفريقه ولكنه يكبت هذا الخوف ليطمئن طاقم السفينة المرعوب. ثم يتزايد الخوف على مصيره هو شخصياً أمام خاطفيه دائمي التضبيش ولكنه يكبت خوفه أيضاً لكي لا يشكل عبء عليهم فيستسيغوا فكرة قتله. كل ذلك التمثيل الهاديء ينفجر في لحظة واحدة لنوبة إنهيار عصبي فريد في ختام أسطوري لأداءه العظيم طوال الفيلم. ترشيح مضمون في رأيي لجائزة الأوسكار.

على الجانب الآخر، الأداء التمثيلي لبرخاد عبدي، الصومالي الذي قام يدور ميوز، يتحسن كثيراً عبر أحداث الفيلم ويُختتم بشكل إحترافي في غاية الجودة في النصف الثاني من الأحداث. عدم وصف برخاد بـ”الممثل” مقصود، فهو لم يكن يوماً ممثلاً محترفاً وهذه هي تجربته الأولى على جميع الأصعدة! لا أعلم حقاً لماذا لم يلجأ جرينجراس لممثلين صوماليين محترفين، إلا لو كانت مهنة التمثيل غير موجودة في المجتمع الصومالي من الأساس، مثلها مثل مهن كثيرة إندثرت في الصومال، كما يشرح لنا برخاد عبدي في مشهده الأفضل في الفيلم على لسان ميوز، ليبقى لهم فقط القرصنة.

أجد أنه من الضروري أيضاً أن أثني على أداء مايكل شيرنوس في دور شين مورفي، مساعد ريتشارد فيليبس على متن السفينة. أول مرة شاهدت فيها مايكل شيرنوس كان في دور جيفري برايس القصير في فيلم Men in Black 3 ووجدته مثير للإهتمام، وهو في Captain Phillips يؤكد على قدراته. أتمنى أن نراه في أدوار أكثر في المرة القادمة.

إقرأ أيضاً: Gravity … فيلم لا يمكن مشاهدته مرة واحدة فقط

أعجبتني أجواء الفيلم ووتيرة الأحداث بشدة في النصف الأول للفيلم ولكن بمجرد إنتقال الأحداث لقارب الإنقاذ يقودنا بول جرينجراس لأجواء عسكرية قاتمة لم تعجبني شخصياً وللأسف شعرت بتطويل ومط غير ضروري في النصف الثاني للفيلم. في رأيي، Captain Phillips هو ثاني أفضل فيلم لبول جرينجراس بعد The Bourne Supremacy.
مؤلف موسيقى الفيلم هو هنري جاكمان وأشكره بشدة على مساعدتي كمشاهد على تقدير محاولات الدهاء التي يقوم بها طاقم السفينة ثم دعم توم هانكس بشكل رائع في مشاهد النهاية. لم أكن أتوقع الكثير من موسيقى الفيلم لأن جاكمان يحمل تاريخ طويل من الأفلام التي تحمل موسيقاها أي جديد … باستثناء Kick Ass للأمانة.

Captain Phillips مازال يعرض في دور العرض المصرية و يبدو أنه سينجح في تسليمنا سالمين لفيلم توم هانكس الجديد هذا العام: Saving Mr. Banks. حمد الله عالسلامة ياعم هانكس.

إقرأ أيضاً: توم هانكس يجسد “والت ديزني” في فيلم جديد يحكي معاناته مع الساحرة الطيبة

التعليقات و المناقشة

التعليق